Posted on: الأربعاء، 20 يونيو 2012

(طلًق أمه ولحق أباه)


( خلف الغابة وعلى قمة جبل فضي , هناك خلف اسوار الضباب ,تقف عارية الساق قد غطت محاسن وجهها بخمارها الاخضر , فاتنة انيقة , يفوح منها عبق ندي , وقطرات الندى تنساب بهدوء على ساقها المرمري الابيض ليضاجع عشبا تحت قدميها زاده نسيم الصباح تواضعا وجمالا ...
تقف شامخة رشيقة , ميادة عذراء ,بين اناملها الرقيقة كأس خمر ولبن , وعذارى عاريات وغلمان ثملون متكئون دون ساقها الممشوق...
انها اجمل ماخلق ربي ..)
كلمات لازالت تخامرني منذ ان قالها لي ابي يوم كان عمري خمسة عشر ربيعا ..
عشقتها بعمق وصدق حتى اخذت لبي وسكنت قلبي وصارت فتاة احلامي , فلم تفارق خيالي بليل او نهار..انها فتاتي وسأحظى بها يوما ما رغم ان الطريق طويل والغابة موحشة والضباب كثيف , والجبل الفضي لاتكاد تثبت عليه قدم , فحبها يدفعني لاقتحام المهالك وركوب الصعاب , وساحزم متاعي اليها ..
خرجت من داري ناويا الهجرة الى الحبيبة واذا بأمي تتعلق بي ,تركع على ركبتيها متوسلة ..بني ارجع فأن الطريق مخوف ومحفوف بالصعاب والاهوال ,بني ارجع فانا لك وانت لي وهذه الدار لك والاموال لك والبساتين لك , بني ارجع فأنا لك ام وحبيبة ...بني لاتتركني وحيدة فانا امك .., نظرت الى امي وهي راكعة بين قدمي متشبثة بي ودموعها منهملة على خديها , ضعفت امام امي لكنني تذكرت حبيبتي , فنفضت ثيابي من يديها وقلت لها (انت لست لي وانا لست لك , فأنا لا انكح ماطلقها ابي ثلاثا )
تركت امي تنادي خلفي وتركت داري ومضيت اشق طريقي وكأني اصعد مرتفعا , اسير سيرا عسيرا واجر خطواتي جرا وحبائل تشدني نحو امي , ونفسي تحدثني بالرجوع اليها وكنت اقطع حبائل تعلقي كلما تقدمت خطوة ومضيت حتى اوشكت ارى الغابة وكأنها جيش اسود كثيف يمتد عبر الافق البعيد وبخطوات متثاقلة واصلت سيري حتى اجهدني التعب وقد خيم الليل واذا بخيمة اراها قريبة , توجهت نحوها لعلي اقضي فيها ليلتي واستريح من عنائي ,
قلت وانا اقف امام الخيمة (هل من احد هنا )؟...لأسمع صوتا من داخلها (تعال وادخل )..
كانت خيمة بسيطة منسوجة من وبر الابل نسجا لطيفا , مائلة الى السواد ,تقوم على عمود من وسطها وقد علق عليه – فانوس – واوتاد اربعة تسحب الخيمة من اطرافها نحو الخارج لتثبتها في الارض , ورجل وقر كبير يجلس على حصير من سعف النخيل , دعاني للجلوس بقربه وهو يقول (ان التعب باد عليك والطريق امامك طويل واعتقد انك تريد ان تشق طريقك الى الغابة؟؟)قلت نعم سيدي فان لي غاية ابعد من الغابة , خلف اسوار الضباب ....تبسم ضاحكا كأنه عرف مرامي , فقال يابني اعلم انه لم يصل الى ماتريد الا القليل ومن يصل فانه لايعود , لكني أوصيك بأمور إن فعلتها فربما تصل الى ماتريد ..
زاد اشتياقي لسماع المزيد عن رحلتي وماينبغي لي ان افعله لأجل الوصول الى معشوقتي التي يخامر عبق الخمر في يديها عقلي , فقلت بلهفة لسماع كلامه ..(نعم أوصني وسأفعل ذلك حتما )..فقال :
تلك الغابة لا يهولك دخولها ولا يعيقك تشابك أغصانها , وان قيدت رجليك فروعها فلاتشد في قطع حبائلها فانك ان شددت بقطعها زاد تماسكها وغلظ فرعها واحكم قيدها , ولكن انسل منها انسلالا رفيقا وكن واثقا رقيقا , وان أحلك ظلامها وعوت من حولك ذئابها فأوقد القنديل وتماسك واستعن بصحة الاعتقاد بان ذلك كيد ساحر ولايفلح الساحر حيث اتى , ثم شق طرقك نحو اليمين حتى تصل الى قلعة لها خمسة ابواب , باب من بعد باب , وبين كل باب وباب رواق طويل , فأن اجتزت الأبواب ووصلت الى باحة القلعة ستجد في وسطها أميرة مكبلة بالقيود على سرير دافئ وفير , تختفي في النهار وتظهر في الليل , ففك قيدها واعقد نكاحها وادخل بليلتها ليزول عنها سحرها وتعود الى قصرها فتهب لك قنديلا وجوادا مجنحا كأنه البراق يخترق أسوار الضباب ويرتقي قمم الجبال ..
ثم سكت برهة فتالق الشوق في عيني وكأنه لمح ذلك فبادر قائلا : هذا الليل قد غشيك فأن وطئته سلمت ولغايتك وصلت , وان وطئك هلكت وعن مقصودك تثاقلت , فأن شئت المبيت فأهلا وان شئت المسير فبادر ..
بادرت بالخروج بعد ان شكرته ووعدته ان أأخذ بنصائحه , ومضيت حتى اشرفت على الغابة وكان خيط الفجر لاح , واذا بورقة تحملها الرياح لتقع قريبة مني , انحنيت لأخذها وإذا مكتوب بها ما مضى من كلمات , وفي نهايتها (طوبى لمن طلق أمه ولحق أباه ) فبادرت بنشرها قبل الولوج في الغابة ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق